كتبت: آلاء إمام

 

 

 

 

 

 

تنبع شعلة المقاطعة من دوافع عميقةٍ راسخةٍ في قلوب أبناء الصعيد، فمنذ عقودٍ وهم يشهدون مأساة فلسطين وأهلها يُعانون ممارسات الاحتلال الإسرائيلي الظالمة، فقد عُرف صعيد مصر دومًا بمبادئ الشرف والكرم والنخوة ونصرة المظلوم التي تُميّزهم عن باقي المصريين، وهي مبادئ راسخةٌ في ثقافة أهله.

وتُجسّد المقاطعة في الصعيد تضامنًا عميقًا من أرض الحضارة والتاريخ مع الشعب الفلسطيني الشقيق، وتخطّت المقاطعة في الصعيد من أنها سلوك تجاري، لتُصبح ظاهرةً ثقافيةً واجتماعيةً تُجسّد روح التضامن مع الشعب الفلسطيني، ففي قلب صعيد مصر، حيث تلتقي الحضارة والتاريخ، تشتعل نار من نوع خاص، نارٌ تُعبّر عن رفضٍ شعبيٍّ للاحتلال الإسرائيلي، نصرةً لقضية فلسطين العادلة.

سلاحهم المقاطعة

يُعدّ سلاحُ المقاطعة سلاحَ أبناءِ الصعيدِ في معركتهم ضدّ الاحتلالِ، وتقول سعاد محمد، ربة منزل من محافظة المنيا، إنها تحافظ على عدم شراء أي منتج يدعم قوات الاحتلال، وامتنعت عن التنزه في المطاعم أو التبضع من المواقع الإلكترونية التي لم تعلن أي دعم لفلسطين.

ويقول شريف حمدي، شاب من مركز بني مزار، إنه يبحث عن جميع البدائل التي يستطيع من خلالها الاستغناء عن جميع المنتجات الداعمة للاحتلال، وهذا أقصى ما يستطيع فعله في هذه المرحلة.

وتؤكد هاجر أشرف، طالبة في معهد النظم والمعلومات، تسكن في ملوي، تمسكها هي وأصدقاؤها بالمقاطعة، ويحرصن على تذكير الناس بالمقاطعة من خلال نشر صور للمنتجات الداعمة ودعوة الآخرين للمقاطعة، على أساس أن المقاطعة الطريقة الوحيدة التي تمكنهم من إحداث أثر.

ويرى توفيق محمد، رجل مسن في السبعينات من عمره، مزارع في قرية دمشير، أن “المقاطعة قد تضر بالاقتصاد الوطني وتزيد معاناة المواطنين”، قائلًا: “لا أشارك في المقاطعة، ويجب أن نبحث عن حلول أخرى لمشكلاتنا، كالحوار مع الحكومة أو التظاهرات السلمية”.

دوافع عميقة

تُغذي دوافعُ عميقةٌ راسخةٌ في قلوبِ أبناءِ هذا الإقليمِ العريقِ المقاطعةَ في الصعيدِ، ويقول محمد هاني من محافظة المنيا إن الامتناع عن شراء المنتجات الداعمة للاحتلال، يُشعره بإنسانيته، على الرغم من أنه شيء يسير، لكنه يرى أنه أمر مهم.

وأوضح أحمد سيد من مركز سمالوط أنه مقاطعته تلك المنتجات ليست استغناءً لفترة، ولكنها محرمة بالنسبة له، مشيرًا إلى أن “النصر قريب، ولكن المقاطعة ستظل مستمرة حتى تنتهي دولة الاحتلال، ويحترق كل من أسهم في دعمها”.

وأكدت سارة فوزي من محافظة المنيا هذا لرأي، قائلةً: “لقد تأقلمتُ مع الوضع خاصة أنني اكتشفتُ منتجات مصرية 100% ذات جودة عالية، وساعدتني المقاطعة في التعرف إلى الصناعة الوطنية”.

آثار المقاطعة

وأوضح هاني صاحب سوبر ماركت بمحافظة المنيا أنه تعرض لخسارة كبيرة منذ أحداث السابع من أكتوبر الماضي، ولكنه لم يحزن لأنه يرى المقاطعة واجب ديني، قبل أن تكون واجبًا وطنيًّا.

وتُظهر هذه المقابلات أن ظاهرة المقاطعة في الصعيد معقدة ومتعددة الأوجه، هناك العديد من العوامل التي دفعت الناس للمشاركة في المقاطعة، مثل الارتفاع الجنوني للأسعار، وتردي الخدمات والشعور بالمسؤولية نحو أخوتنا بفلسطين.

ويعتقد البعض الآخر أن المقاطعة هي الوسيلة الوحيدة لإيصال أصواتهم، والتعبير عن رفضهم للظلم ونصرة الحق، بينما يرى البعض الآخر أنها قد تضر بالاقتصاد الوطني، وتزيد من معاناة المواطنين.