كتبت : آلاء امام

تألق في ساحات مدينة المنيا تمثال بائع العرقسوس ، كتعبير فني مميز ينطق بتفاصيله عن جوهر الثقافة المصرية الغنية وتراثها العريق ، يتمازج في هذا العمل الفني الذي أثار إعجاب السكان المحليين والزوار على حد سواء ، بين ماضي يتجسد في الشخصية الشعبية لبائع العرقسوس ، وحاضر ينعكس من خلال طريقة إنشاء التمثال وتفاعل الجمهور معه ، تتلاقى في هذه القطعة الفنية الرائعة الماضي والحاضر، مما يضفي عليها بعدًا تاريخيًا وثقافيًا يتجاوز الحدود الزمانية والجغرافية ، لتصبح رمزًا ملموسًا لروح وهوية مصر الأصيلة في عصرنا الحديث ، وراء هذا الإبداع الفني يقف الدكتور عبدالرحمن ربيع ، معيد بقسم التعبير المجسم بكلية التربية الفنية بجامعة المنيا ، تحدثنا معه حول فكرة وتفاصيل هذا العمل الفني الرائع.

 

يقول الدكتور عبدالرحمن أن قرار نحت تمثال بائع العرقسوس كان جزء من رسالته البحثية ، التي تناقش فيها أهمية نحت الشوارع لتأكيد الهوية الثقافية البصرية ، حيث أن شخصية بائع العرقسوس تعتبر من الشخصيات الشعبية التي يعشقها الجميع في مصر، حيث تتميز بتفاصيلها البسيطة وشكلها المصري التقليدي ، وبالإضافة إلى ذلك فإن أدوات عمل بائع العرقسوس مثل القدر وحنفية العصير والخاتم في إصبعه تعتبر جزءاً لا يتجزأ من تراثنا الشعبي ، ولذلك رأى الدكتور عبد الرحمن أن تمثال بائع العرقسوس يمثل فرصة مثالية لتأكيد هويته الشخصية والثقافية ، والتعبير عن انتمائه إلى الثقافة والتراث المصري ، كما يري أيضًا أنه أكثر من مجرد قطعة فنية ، بل فرصة لتوثيق التراث الشعبي وتعزيز الهوية الثقافية للمصريين ، وبالتالي يعكس هذا التمثال رؤية فنية وبحثية متعمقة في مجال الفن والثقافة.

 

تحدث الدكتور عبدالرحمن لإقليميشن عن تفاصيل التمثال ، حيث وضح أنه تم نحته من الطين بهيكل داخلي من الحديد ، مع التركيز على تفاصيل قدر العرقسوس وحنفيته وشكل المياه بأسلوب واضح ، وتم تصميمهم من مادة البوليستر فايبر ، يشير إلى أنه استغرق شهرًا كاملاً لإتمام هذا العمل الفني.

 

كما شارك الدكتور عبدالرحمن تجربته من خلال توضيح ردود الأفعال التي شاهدها التمثال ، حيث تلقى استقبالًا حارًا وإعجابًا كبيرًا من قبل سكان مدينة المنيا ، حيث تم وضعه في شارع طه حسين الذي يعد وجهة مفضلة للتنزه والتمشية لجميع أفراد المدينة من مختلف الأحياء ، والذين قاموا بالتقاط صور للتمثال والتفاعل معه بلمسه والتأمل في تفاصيله الفنية بإعجابٍ شديد ، كما أبدى العديد منهم رغبتهم في رؤية المزيد من الأعمال الفنية المماثلة في الشوارع ، والخروج من الفن التقليدي المألوف بالإكتفاء بمحاكاة الشخصيات التاريخية.

 

تطرق الدكتور عبدالرحمن بالحديث الي تأثير وضع التماثيل الفنية في الأماكن العامة يمثل تأكيداً على تنوع الثقافات والهويات البصرية في مصر وفي العالم بشكل عام ، فهذه التماثيل تعكس التعبير الفني عن الهوية الثقافية للمجتمعات وتبرز القيم والتقاليد التي تميز كل مجتمع ، وعلى الرغم من وجود تماثيل الفن الواقعي لنحت الشوارع في معظم الدول كأوروبا ، إلا أنها تظل قليلة الانتشار في شوارع مصر ، ومع ذلك فإن وضع هذه التماثيل في الأماكن العامة يسهم في إثراء المشهد الحضاري وإبراز التنوع الثقافي للمجتمع ، كما يساهم في تعزيز الوعي بالفن ، بالإضافة إلي أنه يلعب دورًا هامًا في تعزيز السياحة من خلال تعزيز الثقافة الفنية المحلية وإبراز الهوية الثقافية للمجتمع ، وأن هذا النوع من الفن يمثل وسيلة فعالة لجذب السياح ، حيث يتيح لهم فرصة إستكشاف التراث والثقافة المحلية من خلال التفاعل مع التماثيل وفهم الرسالة التي تحملها ، وعلى الرغم من أن التماثيل الفنية موجودة في معظم الأماكن ، إلا أن تنوع الثقافات بين الدول يجعل إستخدام هذا النوع من الفن لعرض التراث والثقافة المحلية أمرًا جذابًا للسياح.

 

ختمنا الحوار بالسؤال عن المشاريع المستقبلية للدكتور عبدالرحمن ، حيث اشار إلى وجود تماثيل أخرى بالكلية وأن هناك خطط لإنشاء المزيد من التماثيل في المستقبل ، وذلك كجزء من جهوده لتعزيز الفن العام في المجتمع.