كتب: حسن محمد وغادة محمد
تنتشر في قرى المنيا ظاهرة مروعة تُجسّد إهمالًا فاضحًا لحياة المواطنين، ألا وهي “سيارات المواشي”، سيارات تويوتا متهالكة تُستخدم لنقل الركاب في ظروفٍ لا إنسانية، وتُشكل هذه المركبات أشباحًا تُخيم على شوارع المنيا، حاملةً معها قصصًا مُؤلمةً ومشاهدًا مُريرةً لمعاناة المواطنين في رحلاتهم اليومية.
فكل يوم، يُضطرّ هؤلاء المساكين لمواجهة مخاطر جمة، بدءًا من الازدحام الشديد داخل هذه المركبات، إذ يُحشر ما يصل إلى 20 شخصًا في الصندوق الخلفي المُخصص لـ12 راكبًا فقط، ناهيك من وجود أطفال وبضائع.
ولا تتوقف المعاناة عند هذا الحد، بل تمتدّ لتشمل الركوب على سطح السيارة، إذ يُجازف الشباب بحياتهم لركوبها، مُعرضين أنفسهم لخطر السقوط في أي لحظة.
ولكنّ الأمر لا ينتهي هنا، فحتى مدخل باب السيارة لا يُسلم من الازدحام، إذ يتكدّس ما لا يقلّ عن 5 أشخاص يقفون طوال الرحلة على حافة الباب، مُعرضين أنفسهم لخطر السقوط على الطريق.
ويواجه الناس ازدحامًا لا يُحتمل في هذه الوسائل، فالركاب يضطرون للتزاحم بنحو لا يصدق داخل عربات قديمة تفتقر إلى السعة الكافية، ليس هذا فحسب، بل يجد بعضهم أنفسهم يتلقفون أشعة الشمس الحارقة وهم يجلسون فوق أسطح تلك العربات، معرضين للمخاطر بلا تفكير.
ولكن في هذا السياق القاسي، يتبادر إلى ذهن المسؤولين أفق من الأمل، إذ يبحثون عن حلول مبتكرة وعملية لإيجاد وسائل النقل المستدامة لتحسين هذه الحالة الصعبة، فمن الضروري توفير ميكروباصات فعّالة من حيث العدد ووضع رقابة كافية وفعّالة على جميع السائقين، وتحسين بنية الطرق وتوفير خدمات النقل العام بنحو أفضل وأكثر استدامة.
وتتخطى هذه القصة مجرد نقلٍ غير بشري، لتُلامس بعمقٍ تحدياتٍ مجتمعيةٍ جمة، وواجبنا – نحن الصحفيين- يقتضي استكشافها بدقةٍ وإخلاصٍ، سعيًا لإيجاد حلولٍ عمليةٍ ومستدامةٍ لتلك المعضلات المُلحّة.
معاناة يومية
تروي سارة، طالبة جامعية من قرية بني سالم بمركز دير مواس، حكايتها اليومية مع أزمة المواصلات، إذ تضطر سارة للركوب في سيارة متهالكة مرتين على الأقل يوميًّا، من قريتها إلى مركز دير مواس، لكي تتمكن من ركوب ميكروباص آخر ينقلها إلى جامعتها.
وتُعبّر سارة عن استيائها من غياب دور المسؤولين في حل هذه الأزمة التي تُهدر كرامة الناس كل يوم، وتصف سارة السيارة بأنها عبارة عن صندوق مغلق تمامًا، يفصل الركاب عن السائق، كأنهم “مجموعة من المواشي” تُجرّ خلفه.
وتتميز السيارة بتصميم فريد يضم جانبين يشبهان المقاعد دون وسائد، تفصل بينهما مساحة تُشكل تحديًا للركاب، ويسعى كل راكب للحفاظ على توازنه أثناء المطبات أو الوقوف المفاجئ، وعندما يرغب أحد الركاب في النزول، يضطر إلى طرق المساحة الزجاجية الفاصلة بينه وبين السائق لجذب انتباهه.
ويواجه بعض الركاب صعوبة إضافية في إيصال رغبتهم للسائق، خاصةً في حال وجود عازل للصوت في المساحة الفاصلة، ما قد يؤدي إلى تفويت محطة النزول المقصودة.
ويفرض بعض السائقين أسعارًا باهظة على الركاب، خاصةً في الكابينة الأمامية، دون وجه حق، مُتجاوزين التسعيرة الرسمية المُحددة.
صوت السائقين
يواجه سائقو قرية دلجا، بمركز دير مواس، صعوبات جمة بسبب بعض الركاب الذين يُثقلون سياراتهم بأحمال زائدة، ويحملون أطفالهم دون دفع أجرة.
ويُشير السائق جمال الميري، أحد سائقي القرية، إلى أن بعض الركاب يُحملون معهم بضائع وأحمالًا ثقيلة تتجاوز الحد المسموح به، ما يُثقل السيارة ويُعيق حركتها، ويُعرضها لخطر الأعطال.
ويواجه الركاب صعوبة في التنقل بسبب اصطحاب بعض التجار للطيور في سياراتهم كبضاعة للبيع، ما يُسبب ضيق التنفس وعدم الراحة وكثرة الإزعاج، وفق السائق.
ويُضيف أن “هذه الممارسة تُسبب إزعاجًا كبيرًا له وللباقين، ويتمنى استبدال هذه السيارات توفر راحة أكبر للمواطنين”.
صوت المسؤولين
ويعي محمد الحربي، مسؤول أحد مواقف الموصلات في مركز مغاغا، تمامًا التحديات التي تواجهها المواصلات في منطقته، ويُقر بأنّ وسائل النقل الحالية قد لا تُلبي احتياجات السكان بالشكل الأمثل، لذلك، تُبذل الجهود حاليًا لوضع خطط مُستقبلية تهدف إلى تحسين نظام النقل العام في المحافظة.
وتشمل هذه الخطط استبدال ميكرو باصات حديثة بالسيارات القديمة غير الصالحة تناسب احتياجات الركاب، وتُوفر لهم رحلة آمنة ومريحة.
وجرى تطبيق هذه الخطة في بعض القرى، مع وجود استعداد تام للتعاون مع الشركات المحلية والوطنية لتوفير هذه الميكروباصات، وضمان جودتها وكفاءتها في تلبية احتياجات النقل للسكان.
وأضاف “نسعى جاهدين لتطوير نظام النقل العام، ونُدرك في الوقت ذاته التحديات التي قد تواجهنا، مثل المعوقات المالية والتنظيمية، ونؤمن إيمانًا راسخًا بإمكانية التغلب على هذه العقبات من خلال التعاون مع جميع الجهات المعنية”.
ويهدف الحربي من خلال ذلك إلى إحداث تحسينات ملموسة تلبي احتياجات وتطلعات مجتمعنا، إيمانًا منه بأهمية تطوير جميع مرافق الدولة لخدمة المواطنين.
نهج ناجح
وفي قرية بني أحمد، يروي حامد محمد، رب أسرة، قصة تغيّرت معه حياته اليومية، فالسيارة القديمة التي كانت رفيقة سكّان القرية في كل مشوار، مع مرور الوقت، أصبحت عبئًا ثقيلًا.
ويشارك حامد الرأي مينا مراد من قرية تله، فكلاهما عانا مشقة السفر في تلك السيارة، ويقول حامد: “شعرنا بالإرهاق والضيق من هذه الوسيلة غير المناسبة، فرحلاتنا كانت مرهقة وغير آمنة”.
لكنّ شعاع أمل بزغ عندما قرّر المسؤولون استبدال تلك السيارة، ويصف حامد تلك اللحظة قائلًا: “كانت لحظة تغيير حقيقية في حياتنا. شعرنا بالراحة والارتياح عندما رأينا الميكروباصات الجديدة”.
وعليه، تُعد وسائل النقل شريان الحياة لأي مجتمع، فهي لا تمثل فقط وسيلة للتنقل، بل هي حجر الأساس لتطوره وازدهاره، ومن خلال تحسين وتطوير منظومة النقل، نسهم في تعزيز الاقتصاد المحلي، وتوفير فرص عمل جديدة، وتحقيق المساواة الاجتماعية، وتعزيز الرفاهية العامة.
ومن خلال هذه الرحلة، ندرك أهمية تحسين وسائل النقل في مجتمعاتنا، ونؤمن بأنّ التزامنا المشترك ببناء نظام نقل عام فعَّال ومستدام، يُمثّل خطوة حاسمة نحو تحقيق التنمية المستدامة والرفاهية للجميع.