كتبت : ساره جمال
يعتبر تحقيق النجاح والتفوق من الأهداف التي تتطلب الجهد والمثابرة ومواجهة الصعوبات مهما بلغ حجمها للوصول إلى الهدف التي تتطلع إليه، فالنجاح من الكلمات الشائعة ولكن تحقيقها يحتاج للكثير من الصبر ويتميز الشخص الناجح في كثير من الصفات التي تجعله يحقق التفوق والتقدم في حياته، وذلك بالطموح وتحديد أهدافه والوصول إليها والجدية في الإصرار على تحقيق هدفه مهما بلغ عنان الأمر مما يساعده على النجاح ولدينا اليوم شخصية تخطت كل الصعوبات وواجهت كل التحديات وكانت مثلًا يقتدى به وفخرًا لمصر ولإقليم شمال الصعيد وخاصة محافظة المنيا ، إنه هو الأديب العالمي طه حسين عميد الأدب العربي ابن مركز مغاغة بمحافظة المنيا الذي مازال اسمه إلى وقتنا هذا فخرًا لنا وللمصريين جميعًا ، فهو أكبر مثال للصبر والمثابرة للوصول إلى أعلى مراتب النجاح وأجملها.
ولد طه حسين في نوفمبر 1889 بقرية “الكيلو” بمحافظة المنيا وفقد بصره في الرابعة من عمره عقب إصابته بالرمد نتيجة لجهل وفقر قريته في ذلك الوقت غير أن النقطة الفارقة في حياته كانت التحاقه بكُتاب القرية حيث فاجأ شيخه “محمد جاد الرب” بذاكرة قوية وذكاء متوقد، فتعلم اللغة والحساب والقرآن الكريم في فترة وجيزة وانقطع فترة ما عن الكُتاب ولكنه عاد إليه مرة أخرى وقد أتم حفظ القرآن الكريم ، والتحق بالتعليم الأزهري، ثم كان أول المنتسبين إلى الجامعة المصرية عام 1908، وحصل على درجة الدكتوراه عام 1914، لتبدأ أولى معاركه مع الفكر التقليدي؛ حيث أثارت أطروحته «ذكرى أبي العلاء» موجة من الانتقاد ثم أوفدته الجامعة المصرية إلى فرنسا، وهناك أعد أُطروحة الدكتوراه الثانية: “الفلسفة الإجتماعية عند ابن خلدون”، واجتاز دبلوم الدراسات العليا في القانون الروماني.
درس عميد الأدب العربي خلال وجوده في فرنسا علم النفس والأدب الفرنسي والتاريخ الحديث، وتعلم الفرنسية في عام واحد، وتعرف على زوجته الفرنسية السويسرية «سوزان بريسو» خلال دراسته هناك وأنجب منها أمينة ومؤنس، وساعدته على دراسة اللاتينية، وقرأت عليه كثيرًا من الأدب الفرنسي، وحصل على الليسانس في الآداب من جامعة السوربون في عام 1917م، ثم الدكتوراه في «فلسفة ابن خلدون» في عام 1918م. وبعد عودته من فرنسا، عمل أستاذًا للتاريخ اليوناني والروماني بالجامعة المصرية، ثم أستاذًا لتاريخ الأدب العربي بكلية الآداب، ثم عميدًا للكلية. وفي 1942 عين مستشارًا لوزير المعارف، ثم مديرًا لجامعة الإسكندرية، وفي عام 1950 أصبح وزيرًا للمعارف، وقاد الدعوة لمجانية التعليم وإلزاميته، وكان له الفضل في تأسيس عدد من الجامعات المصرية، وفي ١٩٥٩م عاد إلى الجامعة بصفة “أستاذ غير متفرغ” وتسلم رئاسة تحرير جريدة “الجمهورية”.
كان طه حسين يكرس أعماله للتحرر والانفتاح الثقافي، مع الاعتزاز بالموروثات الحضارية سواء كانت عربية أو مصرية وقد اصطدمت أطروحاته ببعض الأفكار السائدة، فحصدت كبرى مؤلفاته النصيب الأكبر من الهجوم الذي وصل إلى حد رفع الدعاوي القضائية ضده، وعلى الرغم من ذلك، يبقى في الذاكرة كتبه المهمة “في الأدب الجاهلي”، و” مستقبل الثقافة في مصر” والعديد من عيون الكتب والروايات، فضلًا عن روايته “الأيام” التي روى فيها سيرته الذاتية والتي تعلمنا فيها الكثير عن حياته ومغامراته فتعتبر رواية الأيام من أفضل الروايات لدي وأقربهم إلى قلبي بسردها الرائع الذي يجعل القارئ يتخيل نفسه داخل الرواية يرى كل ما يحدث فيها .
رحل طه حسين عن دُنيانا في أكتوبر 1973 عن عمر ناهز 84 عامًا تاركًا المكتبة العربية ثرية بالعديد من المؤلفات والترجمات حيث كان يعد علمًا من أعلام التنوير والحركة الأدبية الحديثة فقد اشتهر بعلمه الواسع في عالم الأدب والفكر كما برز إلمامه بالفكر الغربي بشكل واضح سواء في الفلسفة أو الأدب.