كتبت :غاده محمد

 

 

 

 

 

عبد التواب يوسف، الأديب البارز الذي ينحدر من محافظة بني سويف، يتربع على عرش الأدب المصري بأسلوبه الساحر وقصصه الفاتنة، ولد عبد التواب يوسف بقرية شنرا، مدينة الفشن، محافظة بني سويف في عام 1928 بدأ يدرس بمدينة بني سويف المرحلة الابتدائية والإعدادية والثانوية، وعاش طفولته في قرى مصر وسرد ذلك في قصصه وأعماله الإبداعية، حيث كان يستأجر الكتب ليقرأها ويسرد احداثها على  اصدقائه واقاربه الاطفال، وكان ذلك يعتبر السبب الذي أدي إلى تفرده في طريقة كتابته للأطفال، حيث كان يتصور نفسه بين الأطفال ويتحدث إليهم، وذلك يجعل القارئ مشاركًا بالتفكير والرأي في القصة التي يقرأها او يستمع إليها .

في عام 1945، انتقل إلى القاهرة لبدء دراسته الجامعية في كلية الإقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، بعد حصوله على شهادة البكالوريوس في عام 1949، كانت وفاة والده في يناير 1950 شكلت تحديًا كبيرًا في حياته. قرر الانتقال مع والدته وشقيقاته الثلاثة إلى القاهرة للعيش وتعليمهن، وحصل على درجة الماجستير في عام 1953

في 1956، تزوج من نتيلة إبراهيم راشد، التي كانت رئيسة تحرير مجلة سمير وكتب الهلال للأطفال وحازت على جائزة الدولة في أدب الأطفال عام 1978، وتم تكريمها بوسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى.

كانت برامج الأطفال في الإذاعة نقطة انطلاقه الأولى في مساره المهني، حيث اكتسب خبرة ثمينة في مجال الإعلام الصوتي والسمعي، وبدأ يعمل بجد في كتابة أعمال تجمع بين التسلية والتواصل مع الظروف والأحداث والمناسبات، ، تم بث أول عمل له للأطفال من خلال برنامج “بابا شارو”. منذ ذلك الحين، قام بكتابة آلاف البرامج للأطفال، وتم بثها في جميع الإذاعات العربية، عمل كمشرف على برامج الإذاعة المدرسية في وزارة التربية والتعليم من عام 1950 إلى 1960، ثم تولى قيادة القسم الإذاعي والتلفزيوني ، وبعده رأس قسم الثقافة .

في بداية السبعينيات، قام برحلته الأولى إلى أوروبا حيث اكتشف أفقا جديدة في أدب الأطفال وزيادة اهتمامه بهذا المجال جاءت بعد زيارته لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، حيث تعرف على مختلف التوجهات والاتجاهات في كتابة الأطفال في مختلف مراحل العمر، بدأ يكتب في مختلف المجالات مثل الجانب الديني، والقومي، والتربوي، والعلمي، والأدبي، والثقافي، والترفيهي.

منذ عام 1975، كرس نفسه لكتابة الأطفال بشكل كامل بعد توقف قصير في العمل السياسي. على الرغم من كتابته للأطفال، يعتبر نفسه أكثر قارئًا من كاتب، حيث تجاوز عدد الكتب التي اقتناها لأطفاله إلى الآلاف، مما دفعه لشراء شقة خاصة لاحتواء مكتبته الضخمة، تولى العديد من المناصب الثقافية والأدبية، وشغل منصب الأمين العام لاتحاد كتاب مصر لمدة ثلاث سنوات.

قراءته في سن مبكر كانت لها تأثير كبير في تكوين شخصيته، حيث استمتع بقراءة الفكر والأدب العالمي منذ صغره، مما أثر في تطوره ونضوجه الفكري بشكل ملحوظ. استفاد من هذه القراءات العديد من الأفكار والمفاهيم التي أثرت في رؤيته للعالم، وأتاحت له الفرصة لتطوير مواهبه الأدبية.

وبمرور الوقت، بدأ يخرج هذا الثروة الأدبية التي اكتسبها في صورة قصص وأدب للأطفال، حيث رأى في العناية بهذا النوع من الأدب أهمية كبيرة تعكس حضارته وتفكره المستقبلي. يمثل إنتاجه الأدبي انعكاسًا لتجاربه الشخصية، حيث عاش طفولته في قرى مصر وجذبه تراثها وثقافتها الغنية، مما أثر في أسلوب كتاباته ومواضيعه. كان يعتاد أيضًا على رواية القصص والكتب التي قرأها لأصدقائه، مما جعله حكيمًا وقاصًا موهوبًا منذ سن مبكرة.

عبد التواب يميز نفسه في كتابته للأطفال عن طريق تخيله كونه جزءًا منهم والتحدث إليهم، مما يشجع القراء على المشاركة بفكرهم وآرائهم في القصص التي يقرؤونها. يُؤثر المناخ الأسري الذي نشأ فيه في أسلوبه الأدبي، حيث يدمج قصصه الدينية بشكل أحاديث للأطفال. في المقابل، يوسف يتبنى منهجًا مستقلاً في كتابته للأطفال، مع التركيز على القيم الإسلامية والجمع بين المعلومة العلمية والدينية.

عبد التواب كان يدرك منذ مراحل مبكرة أن الأطفال يمثلون الأمل والفرصة الأكبر لمستقبل الأمة، ولذا لم يتردد في تقديم حياته بأكملها ككاتب ومفكر متفاني في خدمتهم، بدأ يومه بالكتابة للأطفال، حيث عمل بجد على فهم عالمهم الخاص، واحتياجاتهم الفكرية والعاطفية، كان يعلم تمامًا أن التواصل مع الأطفال يتطلب وعيًا خاصًا، يشمل فهم عميق لطبيعتهم وأسلوب تفكيرهم، وقدرتهم على استيعاب المعلومات بطريقة مبتكرة. واعتقد أن التعرض للكتابة للطفل يجب أن يكون مبنيًا على تقديم محتوى يتناسب مع تطلعاتهم ويثير اهتمامهم.

استخدم عبد التواب تنوعًا في كتاباته، حيث استوحى مواضيعه من الفلكلور العالمي والتراث الديني والتاريخ العربي، وكان يعتمد بشكل كبير على البيئات العربية كمصدر لإلهامه. ومن هنا، أسهم بشكل كبير في إثراء المكتبة العربية بأكثر من 951 كتابًا للأطفال و125 كتابًا للكبار، بالإضافة إلى أعماله الأخرى. استمرت مسيرته الأدبية لأكثر من أربعين سنة، وخلال فترة التسعينيات كانت إنتاجيته في أوجها، حيث نشر في تلك الفترة 356 كتابًا، ما يعادل 37.4% من إنتاجه الكلي. وشمل إنتاجه الفكري جميع مجالات المعرفة البشرية، حيث كان الأدب والديانات يشكلان ثلاثة أرباع إجمالي إنتاجه من الكتب

 

حاز عبد التواب يوسف على مجموعة من الجوائز والأوسمة المتنوعة خلال مسيرته، بما في ذلك جوائز مرموقة مثل جائزة معرض بولونيا الدولي لكتب الأطفال في عام 2000 عن كتابه “حياة محمد في عشرين قصة”، وجائزة الدولة في أدب الأطفال عام 1975، بالإضافة إلى جائزة اليونسكو العالمية في محو الأمية في عام 1975، وجوائز أخرى تقديرية وأوسمة مثل جائزة الملك فيصل في الأدب العربي في عام 1991، وجائزة القوات المسلحة عن أدب أكتوبر في عام 1992، والميدالية الذهبية من اتحاد الإذاعات العربية.

 

ومن اقول عبدالتواب يوسف ، كاتب الأطفال مخلوق له خصوصيته الناشئة عن أنه يتقمص شخصية الصغير حين يخاطبه، ويحاول أن يتبسط، ويرجع إلى النبع يستقي منه مادته، وموضوعاته وهو خلال ذلك يفتش عن كلمات داخلة في قاموس الطفل واضعًا نصب عينيه ميوله ورغباته، احتياجاته ودوافعه، راجيًا أن يكون ممتعًا وهذه هي طفولتي.

 

توفي عبدالتواب يوسف بعد ظهر يوم الاثنين الموافق 28 سبتمبر 2015، عن عمر يناهز السابعة والثمانين، بعد معاناة مع أزمة صحية في أغسطس من نفس العام، تاركًا وراءه أكثر من ألف كتاب للأطفال، وبهذا الإنجاز حقق رقمًا قياسيًا لكاتب في مصر والعالم