كتب: عمر ماهر
في قلب محافظة أسيوط وعلى ضفاف النيل، يقف شامخًا قصر الكسان باشا، شاهدًا على عصر من الفن والجمال، يروي قصصًا من التاريخ المصري العريق.
بني هذا الصرح العظيم في بدايات القرن العشرين، ومنذ ذلك الحين، كان محط أنظار الزائرين وموضع إعجابهم.
اليوم، ومع تطلعات جديدة نحو مستقبل مشرق، يستعد القصر لفتح أبوابه مجددًا، ليس كمجرد معلم تاريخي، بل كمركز ثقافي وسياحي يعكس الروح الأصيلة لمصر.
يعد قصر الكسان باشا واحدا من أبرز المعالم التاريخية في مدينة أسيوط، وتم إنشاء القصر على يد “أدور الكسان أبسخيرون” في عام 1910، والذي يقع على ضفاف نهر النيل.
يتميز القصر بطابعه الفني والمعماري الفريد، حيث شارك في بنائه فنانون من إيطاليا وفرنسا وإنجلترا، مما أضاف إلى جماله وتنوعه الفني، ويتكون القصر من طابقين ويضم واجهات مزينة بزخارف وكرانيش وعقود نصف دائرية، وتشكيل مثلث الشكل بالزخارف على الطراز الإغريقي.
في 2 ديسمبر 1995، صدر قرار المجلس الأعلى للآثار بضم وتسجيل قصر الكسان باشا إلى قائمة الآثار الإسلامية، وتم تحويله إلى متحف يضم كافة المقتنيات والقطع الأثرية الموجودة بمحافظة أسيوط، وتم تسجيل القصر كأثر تحت رقم “71”، ويعد الآن معلمًا أثريًا يضيف لمحافظة أسيوط قيمة حضارية وجمالية وسياحية وأثرية جديدة.
على مر السنين، شهد القصر أعمال ترميم وصيانة للحفاظ على رونقه وأهميته التاريخية، ولا يزال يحتفظ برونقه الجمالي وعظمة طرازه الفني المعماري القديم، ويعكس القصر مزيجًا من الفن البريطاني والإيطالي والفرنسي في الإنشاء.
وسمي قصر الكسان باشا بهذا الاسم نسبةً إلى من بناه، وهو مواطن بسيط ولد في مدينه أبنوب، كان يعمل في مهنة المحاماة، ونجح هذا المواطن في بناء قصر فاخر، ويرجع تاريخ بنائه إلى عام 1902 واستمر البناء حتى عام 1910 ، وقد منح الملك فاروق لقب الباشوية لصاحب القصر، بعد أن انبهر بجمال تصميمه وذوقه الفني الرفيع أثناء زيارته للقصر، ومن ثم أصبح يُعرف بقصر الكسان باشا .
يحتوي قصر الكسان باشا على مجموعة متنوعة من المحتويات، التي تعكس تاريخ وثقافة مصر عبر العصور المختلفة.
يضم القصر نحو 5000 قطعة فنية من الأخشاب والمعادن النفيسة، مثل الذهب والفضة والأحجار، تعود لمختلف العصور التاريخية مثل العصور المصرية القديمة والرومانية والمسيحية والإسلامية، كما يحتوي القصر على أثاث خشبي ثمين ينتمي إلى التراث الملكي القديم، مما يضيف لمسة من الفخامة والأصالة للمكان.
يحتوي القصر على طابقين وبدروم، وتضم أدوار القصر العديد من الحجرات المخصصة للنوم والمسافرين، بالإضافة إلى حجرات السفرة والمعيشة والاستقبال والبهو، فيتميز بهو المدخل بوجود العديد من التماثيل والتحف والرسومات، ويحتوي القصر على أثاث راق صُنع من الأخشاب الثمينة التي ما زالت تحتفظ برونقها وجمالها، هذه المحتويات تجعل من قصر الكسان باشا متحفًا حيًا يحكي قصصًا عن ماضي مصر العريق وتطورها عبر العصور، ويُعد القصر معلمًا أثريًا يضيف لمحافظة أسيوط قيمة حضارية وجمالية وسياحية وأثرية جديدة.
ولكن لكل قصة لها جانب آخر مظلم، فالقصر لا يزال مغلقًا حتى الآن لعدة أسباب.
أحد الأسباب الرئيسية هو توقف عمليات الترميم بسبب جائحة كورونا، والتي أثرت على العديد من المشاريع والأعمال بالإضافة إلى ذلك، هناك مشكلات تتعلق بالتمويل والروتين الإداري التي تعيق إعادة فتح القصر.
وتم تسجيل القصر كأثر وتحويله إلى متحف قومي بأسيوط، ولكن الإهمال الذي عانى منه لفترة طويلة أدى إلى تدهور حالته، النوافذ الملونة البراقة تكسرت، وتحولت الحديقة الكبيرة إلى مأوى للحيوانات الضالة.
كما أن هناك تحديات تتعلق بالحفاظ على القصر ومحتوياته الأثرية.
ومن المتوقع أن مستقبل قصر الكسان باشا سيبدو مشرقًا ومليئًا بالتطلعات نحو تحويله إلى معلم سياحي هام.
وفقًا للمعلومات المتاحة، هناك خطط لترميم وتطوير القصر ليصبح متحفًا قوميًا يضم مجموعة من القطع الأثرية، التي تمثل مختلف العصور والحضارات.
تم بالفعل البدء في أعمال التطوير والترميم في القصر، وهناك تأكيدات على الانتهاء من هذه الأعمال في أسرع وقت ممكن، لفتح القصر للجمهور.
ويهدف هذا التطوير تعزيز البعد السياحي والاقتصادي لمحافظة أسيوط، وتقديم تجربة ثقافية مختلفة للزوار.
الرئيس عبدالفتاح السيسي أعطى شارة البدء لإعادة تطوير القصر، مما يدل على الاهتمام الكبير بتحويل القصر إلى متحف قومي، هذا التطوير من المتوقع أن يحقق بُعدًا سياحيًا واقتصاديًا جديدًا للمحافظة، ويعزز من الانتماء للمواطنين.