كتب: حسن محمد ولوندي مرزق
يُطل علينا شم النسيم في كل عام حاملًا معه عبق التاريخ ونكهة الربيع، ليُصبح مناسبة تاريخية وثقافية راسخة في وجدان المصريين، خاصةً في المناطق الريفية، وعلى رأسها صعيد مصر العريق.
يُصادف شم النسيم في أول أيام شهر شم النسيم القبطي، أي يوم الاثنين الذي يلي عيد القيامة، ليُمثل فرصة ذهبية للتجمع العائلي والتعبير عن مشاعر الفرح والسعادة بقدوم فصل الربيع، وتجدد الحياة بعد طول فصل الشتاء.
ويتميز شم النسيم في الصعيد بطابع خاص يميزه عن باقي أنحاء مصر، حيث تُضفي عاداته وتقاليده الفريدة لمسة ثقافية واجتماعية مميزة على هذه المناسبة.
وفي الصعيد، يتفرد شم النسيم بطقوسه الخاصة التي تُضفي عليه نكهة مميزة. فمنذ ساعات الصباح الباكر، تنتشر رائحة الطعام التقليدي في الهواء، فتُغري العائلات بالخروج إلى أحضان الطبيعة الخلابة، حيث تُفرش بساطات البهجة على ضفاف الأنهار والبحيرات، وتُزهر باقات الأزهار بألوانها الزاهية.
ويُعد شم النسيم في الصعيد فرصة للتواصل الاجتماعي وتعزيز روابط العائلة والمجتمع، إذ يجتمع الأهالي والأصدقاء لقضاء يوم ممتع في الهواء الطلق، وتبادل التهاني والهدايا والتجارب الجديدة، بالإضافة إلى ذلك، تُعدُ هذه المناسبة فرصة للتعبير عن الثقافة الصعيدية الغنية من خلال الأغاني الشعبية والرقصات التقليدية التي تملأ الأجواء بالفرح والحماس.
عادات وتقاليد
تقول السيدة ابتسام أحمد إن “عائلات الصعيد تُحافظ على عادات مميزة في احتفالات شم النسيم، إذ تُعِدّ الأسر وجبات تقليدية غنية تُضفي على المناسبة نكهة خاصة، ويُعدّ تلوين البيض من أهم طقوس هذا العيد، حيث تُزيّن بألوان زاهية ورسومات تراثية ودينية تعكس روحانية العيد وبهجته”.
وتقول السيدة أمل محمود إن “موائد شم النسيم في الصعيد تُزَيّن بأشهى الأطباق العريقة التي تُجسد عبق الماضي وتُضفي على المناسبة بهجةً فريدة، ومن بين تلك الأطباق، يبرز الفول النابت الذي يُحضر بطرقٍ مُتنوعة مع إضافة التوابل والبهارات لإضفاء نكهةٍ مميزة تُغري بالتذوق”.
ولا تكتمل مائدة شم النسيم الصعيدية دون وجود “الرنجة” اللذيذة، التي تُقدم بجانب البصل الأخضر الطازج، لتُشكل ثنائيًا مُتكاملًا يُضفي على الوجبة نكهةً استثنائية.
ومن المأكولات المميزة على مائدة شم النسيم في الصعيد، نجد الجبنة والفطير، إذ تقدم الجبنة مع الفول والرنجة والبصل الأخضر، بالإضافة إلى ذلك، لا تكتمل مائدة شم النسيم دون البيض الملون الذي يُزين بألوان زاهية، مُضيفًا لمسة فنية على هذه المناسبة الشعبية المُبهجة.
ويقول مصطفى محمد إن “كثيرًا من الناس ينطلقون في رحلات عائلية مميزة، باحثين عن دفء الشمس ونسيم الهواء النقي، متجهين نحو الحدائق والمتنزهات الطبيعية، وهناك، تتلاقى الوجوه وتتبادل التحايا والهدايا، بينما ينغمس الأطفال في عالم من الألعاب التقليدية، فتعمّ أجواء الفرح والبهجة المكان”.
تعزيز الروابط الاجتماعية
ويرى يوسف عبد الله أن “عيد شم النسيم يُعدّ حجر الأساس لبناء علاقات اجتماعية قوية في المجتمع الصعيدي، إذ يجتمع أفراد العائلة والأصدقاء في رحلات ترفيهية تقليدية مشتركة، تاركين وراءهم ضغوطات الحياة اليومية”.
وتُشكّل هذه النشاطات فرصة ذهبية لتبادل الأطعمة اللذيذة والهدايا الرمزية، ما يُعزز مشاعر التآخي والمودة بين أفراد المجتمع، وفق يوسف عبد الله.